المصدر / سمر فتحي
الحاجب المنصور.. القائد الذي أرعب أوروبا ودوّخ الملوك
حين تُروى أمجاد الأندلس، يتصدّر المشهد اسم رجل كتب تاريخه بذكائه وسيفه، رجلٌ أرعب الملوك، وأجبر أجراس الكنائس أن تُقرع لا فرحًا بل خوفًا، إنه الحاجب المنصور، القائد المسلم الذي لم يُهزم في معركة، ودوّن اسمه في صفحات المجد بمدادٍ من نصر.
اسمه الحقيقي محمد بن أبي عامر المعافري، وُلد سنة 938م (326هـ) في قرية قريبة من الجزيرة الخضراء، جنوب الأندلس. نشأ في أسرة متواضعة، لكنّ الطموح الكبير قاده إلى بلاط الحكم الأموي بقرطبة، حيث درس الفقه واللغة، وبدأ مسيرته موظفًا بسيطًا، ثم كاتبًا، فقاضيًا، ثم مستشارًا للأمراء، حتى تقلّد لقب “الحاجب”، ليصبح الحاكم الفعلي للأندلس في ظل خليفةٍ صوري، ويبدأ بذلك عصر المنصور الذهبي… عصر القوة والهيبة والفتوحات.
50 معركة… ولا هزيمة
دخل محمد بن أبي عامر متطوعًا في جيش المسلمين، وشيئًا فشيئًا أثبت نفسه قائدًا لا يُشق له غبار. خاض أكثر من 50 معركة، انتصر فيها جميعًا، لم تُنكّس له راية، ولم تُهزم له كتيبة. من أعظم انتصاراته كانت غزوة ليون، حين تحالفت الجيوش الأوروبية لمواجهته، فهزمهم، وقُتل قادتهم، وأُسر الآلاف، حتى رُفع الأذان في شوارع المدينة المسيحية كأول مرة في التاريخ.
لم يكن الحاجب المنصور قائدًا عاديًا، بل فارسًا نذر حياته للجهاد، يترك جواده المنهك ليمتطي آخر دون أن يستريح، وكان دائم الدعاء: “اللهم ارزقني الموت مجاهدًا في سبيلك، لا على سرير مُخمل بين جدران القصور”. وقد استُجيب له، فقد توفي في طريقه لغزو حدود فرنسا، عن عمر ناهز 60 عامًا، قضى منها أكثر من ربع قرن في ميادين القتال.
لماذا سُمي “المنصور”؟
لقّبه الناس بـ”المنصور” لأن النصر كان حليفه في كل حملة، لا يعود إلا مظفّرًا، حتى قالت عنه أوروبا:
“لا تعرف طرقاتنا السلام إلا إذا مات المنصور.”
وفاته… ونوم الأعداء على قبره
في عام 1002م، توفي الحاجب المنصور بعد إحدى حملاته، ودُفن بثياب معاركه. وعلى قبره كُتبت عبارة خالدة:
“آثاره تنطق عنه، والمآثر تذكره.”
لكن الحكاية لم تنتهِ بعد، فحين بلغ خبر وفاته أوروبا، عمّت الأفراح، وجاء الملك ألفونسو إلى قبره في قرطبة، ونصب فوقه خيمة، ووضع سريرًا من ذهب، ونام عليه مع زوجته، وقال بفخر:
“ها أنا اليوم أملك بلاد العرب والمسلمين، وأنام فوق قبر أعظم قادتهم!”
فقام أحد حاشيته وقال:
“والله لو تنفّس صاحب هذا القبر، ما ترك فينا أحدًا على قيد الحياة.”
غضب ألفونسو وأشهر سيفه عليه، لكن زوجته أوقفته وقالت:
“صدق المتحدث، أي فخر أن ننام فوق قبره؟ لقد هزمنا وهو ميت، كما هزمنا حيًا. هذا يزيده شرفًا، ويجعلنا صغارًا في نظر التاريخ!”
وهكذا، حتى بعد وفاته، ظل الحاجب المنصور منتصرًا في هيبته، حيًّا في ذكراه، خالدًا في مجدٍ لا يُمحى.